الحب ... كما لم تعرفه من قبل

هل عِشتَ حكاية حُـبٍ من قبل ؟
في مطلع القرن الثامن بعد الميلاد ، حكم الملك "جاسوا تشان كاوييل" مدينة "تيكال" أبرز مدن حضارة المايا ، وينقل التاريخ أنه كان شديد الحب لزوجته "ليدي لهان" .
فعندما توفيت عام 704م أراد "جاسوا" تخليد ذكراها حباً لها ، فاستدعى الكهنة والمهندسين البنائين ، وشَيَّـدَ معبداً هرمياً ضخماً ليكون قبرها ، وأسس لنفسه أيضاً نصباً آخراً أُصاده ليكون قبره ، كي يجاورها حتى بعد مماته .
ولم يكونا مجرد قبرين متقابلين ، بل كانت تحفة معمارية فلكية ، ففي الإشراق تبزغ الشمس من خلف قبر جاسوا لتمد بظلالها على قبرها ، وفي المغيب تنزوي الشمس عند قبرها لتلقي بظلالها على قبره ، بطريقة في غاية الروعة والدقة ، فكأنه يُقبِّل قبرها صباحاً ، لترد له القبلة بالقبلة مساءٍ .
ومنذ أكثر من قرن لا يزال القبران يتواصلان معاً عِبرَ الشمس وظلها .
قصة رومنسية جميلة أ ليس كذلك ؟
لقد درس علماء الأنثروبولوجيا المجتمعات البشرية ووجدوا الحب الرومانسي في 170 مجتمعاً بشرياً ، ولم يخلو منه مجتمع على مدار التاريخ .
البشر عموماً تستهويهم قصص الحب والحكايات الرومنسية ، ويتمنون أن يعيشوا ذلك الشعور العَذب الذي يُداعب القلب ويتملكه .
انظر من حولك ... أحاديث الناس والأفلام والمسلسلات والكتب والقصص والأشعار والأغاني تضج بالحب ، بل إن التاريخ يؤرخ حروباً نشبت لأجل الحب .
وجدير بنا أن نتساءل ... لماذا يسيطر الحب على أدمغة البشر وتصرفاتهم ؟ لما كل هذا التلهف والقتال لأجله ؟
لنناقش هذا الأمر - علمياً - ولندع العاطفة جانباً ...
درست عالمة الأنثروبولوجيا السيدة هيلين فيشر Helen Fisher وزميلتها عالمة الأعصاب السيدة لوسي براون Lucy Brown أدمغة العديد من الأشخاص الواقعين في الحب ، عن طريق جهاز أشعة الدماغ الوظيفية FMRI ، والذي يكشف نشاط الدماغ والمناطق المستثيرة فيه .
فكانتا تتفحصان نشاط أدمغة العُشاق عندما يرون صور من هاموا فيهم حباً ، ويسألونهم بعض الأسئلة المتعلقة بالحب وبمدى استعدادهم للتضحية والموت لأجل من يحبون .
لاحظ القائمين على الدراسة أن الحب الرومنسي يُـنـشِّطُ منطقة "النواة المتكئة في الدماغ" ، مما يجعل المحب مستعداً لتحمل مخاطر هائلة من أجل الحب ، فتعميه عن الخسائر التي قد ينالها جراء ذلك ، بل وتحجب عن إدراكه عيوب محبوبه ومثالبه .
ولاحظوا أيضاً نشاطاً كبيراً في منطقة دماغية أخرى تُسمى "المنطقة السقيفية البطنية VTA" ، والتي تصنع هرمون الدوبامين وتغمر به الدماغ عند الشعور بالحب .
والدوبامين هو الهرمون الذي يخلق فينا هاجساً ورغبة تتملكنا فلا نكف عن التفكير بالمحبوب ، فنندفع بشغف اتجاهه ، ونركز عليه دون سواه ، ونشعر معه بالنشوة والرفاهية والرضا ... كأننا نحلق فوق السحاب .
لكن ما لا قد تعلمه سيدي القارئ أن هذه المناطق الدماغية هي ذاتها المناطق التي تنشط جراء تعاطي وإدمان الكوكايين أو الهروين ، فتقود المدمنين إلى المخاطرة من أجل التعاطي ، وتُنشي أدمغتهم وتضخ فيها الدوبامين الذي سيسيطر عليها ويغير سلوكها ويعميها عن الحقيقة والواقع .
أي إن الحب أشبه بالإدمان ... بل هو إدمان تام يحتوي على جميع صفات الإدمان الثلاثة .
فالتركيز على المعشوق الذي يخلقه الدوبامين ، والتعلق الشديد به والاشتياق له الذي يصنعه هرمون الأوكسايتوسين ، يُشَـوِّهُ الواقع ويجعل العاشق أعمى عن عيوب محبوبه والمساوئ المترتبة على الارتباط به وعدم كفاءته لتكوين أسرة مستقبلية ناجحة ، فينجرف لأقصى درجات المخاطرة طمعاً بالفوز في حبه ... وهذا هو الإدمان بأبهى صوره .
وكما تقول السيدة هيلين فيشر : " الحب الرومانسي واحد من أكثر المواد التي تسبب الإدمان على الأرض ... وعلى الأقل أنت يمكن أن تقلع عن الكوكايين بينما الحب هاجس يتملكك " .
إن نشوة الحب التي تتملك الدماغ وتسيطر عليه تشرح لك هوس الناس به على مدار التاريخ ، وسلوكهم الإدماني النابع من الحب يُفسر لك الكثير من تصرفاتهم ، فمخاطرة الفتاة أو عصيانها أهلها من أجل حبيبها مثلاً أمر لا يندرج ضمن نطاق العقل والمنطق ... هو مجرد سلوك إدماني هَدّام تغذيه الهرمونات لا أكثر ، يبحث عن جرعته بأي ثمن .
و رُبَّ عاشق هام حباً يقول ما الضير أن أعيش حياتي كلها تحت وطأة الهرمونات محلقاً في سماء الحب متحدياً العالم لأجله ؟
آآآه يا سيدي العاشق كم أنت مسكين ... من أخبرك أن الحب شيء دائم ؟!
هيا لنبدأ الصدمة ...
صحيح أن الحب الرومنسي شعور لطيف تحيا في ظله لحظات هانئة إلا أنه لن يدوم ، فالدماغ الذي كان يضخ الهرمونات سيأتي في يوم ويتوقف عن إنتاجها شئت أم أبيت ، لتعود حينها إلى رشدك وتنصدم بأن العالم ليس وردياً ، وهي ليست لحظة بعيدة المدى ... إن الحب لن يدوم أكثر من ثلاثة سنوات !! .
وهذا ليس توقيتاً اعتباطياً مني ... بل هذا ما توصلت له دراسات علم النفس والأعصاب والاجتماع على حدٍ سواء .
أقامت عالمة الأعصاب السيدة لوسي فينسينت Lucy Vincent عدة دراسات حول الحب كتبت على إثرها كتاباً أسمته "كيف نقع في الحب؟ How Do We Fall in Love? " ، وقد أكدت فيه أن نشوة الدوبامين لا تلبث إلا أن تقل مع مرور الزمن حتى تتلاشى نهائياً ، وسيختفي حينها الشعور بالرغبة في التحليق بين السحاب ليحل محله الشعور بالملل ، بل والندم في أحياناً كثيرة ، وتأثير "الكوكتيل السحري للهرمونات" لن يزيد عن 3 سنوات في أحسن الأحوال .
وتتفق معها كلياً دكتورة علم النفس السيدة منى فيشباني Mona Fishbane مؤلفة كتاب "محبة الدماغ في علم الأعصاب والعلاج الزوجي Loving with the Brain in Mind Neurobiology & Couple Therapy " .
إذ تقول الدكتورة منى : الاستيقاظ من التعويذة ... إن الجنون في الحب حالة مؤقتة لا يستطيع الدماغ تحمل شدتها إلى الأبد ، وفي مرحلة ما يعود الدماغ إلى رُشده ، وتستقر الهرمونات الهائجة ، فيعود الدماغ لحالة أكثر هدوءً ، فترى مساوئ شريكك كلها ، ويحدث هذا بين سنة إلى ثلاثة سنوات من العلاقة ، فيَحِنُّ العشاق إلى نشوة الدوبامين ، فينجرف بعضهم إلى علاقات غرامية أخرى ، أو الطلاق والزواج مرة أخرى للحصول على جرعة أخرى من المخدرات الغرامية ، لكن حتى العلاقة الجديدة ستصبح لاحقاً علاقة قديمة وهكذا دواليك .
وتضيف السيدة منى : عندما يتلاشى سحر الحب يصبح العشاق كسالى في علاقاتهم ، ويتفاعلون مع سلبيات شركائهم ويتغاضون عن الإيجابيات .
أما بروفيسورة علم النفس السيدة سيندي هازان Cindy Hazan فقد قابلت ودرست 5000 رجل وامرأة ينتمون إلى 37 ثقافة مختلفة حول العالم يعيشون قصص حب ، وأكدت في بحثها أن الرجال والنساء مهيئين بيولوجياً وعقلياً ليكونوا في حالة حب لمدة تتراوح بين 18 إلى 30 شهراً فقط ثم يختفي ، وهي فترة كافية لإنجاب الأطفال ، ثم ليس هناك حاجة تطورية للدماغ ليستمر في ضخ الشغف والعشق .
إن ما تقوله السيدة سيندي في دراستها أن الحب أشبه بالغريزة الحيوانية التي تدفعنا نحو البقاء واستمرار النسل وتناقل الجينات ، وما إن ينتهي الهدف منها ستختفي .
وهذا يُفسر لك أيضاً لماذا يبـهت توهج الحب بعد الزواج بفترة يسيرة أو بعد المعاشرة الزوجية كما هو حال في الدول الغربية .
إذن اضمحلال أثر الهرمونات عن الدماغ بعد برهة من الزمن سيمحو لذة الحب ونشوته ، وسيعود الدماغ إلى رشده فتتكاسل في خدمة شريك حياتك ، وسيتحول هيامك فيه إلى تدقيق في عيوبه ، يصحبه تذمر ونزاع واتهامات ، قد تتسبب في الطلاق أو الخيانة ، أو تحيى بقية حياتك في أزمة عاطفية مع شخص أصبحت لا ترى فيه أنه شريكك الأمثل ... وهذا يُفسر لك كثرة حالات الطلاق في زمننا هذا .
ونظراً لما سبق من الدراسات - وهناك الكثير غيرها - لا بُـدَّ أن تكون واثقاً سيدي القارئ أن الأحمق وحده من يظن أن قصة حبه ستكون مختلفة عن بقية القصص ولن تنطبق عليها قوانين العلم وستدوم نشوتها لآخر العمر .
ولعلك سيدي القارئ في حيرة من أمرك الآن ، إن كان الحب إدماناً يؤثر سلباً على السلوك ، وقصة الحب أسطورة سرعان ما ينكشف زيفها وينقلب فيها السحر على الساحر ، فما هي الوسيلة المثلى لاختيار شريك الحياة وأنيس العمر؟
تبدأ علاقة الحب الرومنسي بالتَّــكون عندما تُعجب بأحدهم ، سواء كان الإعجاب بمظهره أو بعض تصرفاته وكلماته أو روح دعابته وما أشبه ، فتهتم به وتظهر ذلك له ، فيبادلك الاعجاب والاهتمام ... ثم تكتسح الهرمونات الدماغ وتُـكمل الحكاية .
بَـيـدَ أنَّ هذه الخصلة التي أُعجبت بها وقادتك هرموناتك إلى تضخيم جمالها - وإخفاء ما سواها من العيوب - ، لن تدوم كثيراً ، فسرعان ما يختفي أثر الدوبامين وتعود لرشدك وترى أنها مجرد خصلة هشة لا يُبنى عليها علاقة دائمة وستنكسر بعد ثلاثة سنين بأحسن حال من الأحوال .
لذا من المنطق - ولكي تنعم بحياة مستقرة - يجب أن تبني علاقتك على قواعد راسخة يتبناها الطرفين فتحكم ترابطهم وتضمن حقوقهم ... فما هي تلك القواعد برأيك ؟ (قف بالقراءة هنا وفَـكِّـر لدقيقة في الجواب)
لو شرَّقت وغرَّبت ودرت الأرض مفتشاً لن تجد غير الدين وأخلاقياته قاعدة تحكم سلوك الإنسان لا تتبدل مع مرور الزمان وتمنح معتنقيها السعادة والرضا وتضمن حقوقهم .
فالشريك إن كان خلوقاً مخلصاً يحترم قدسية العلاقة وراحة شريكه ومشاعره من منطلق ثابت لا يتزحزح مع الوقت فهذا سيضفي على حياتهما السكينة والرحمة والمودة للأبد ، وستكون حياة سليمة وبيئة صحية لإنجاب الأولاد وتربيتهم .
وهذا لا يعني أنهما لن يختلفا ، فالاختلاف شر لا بُـدَّ منه ، لأن البشر يأتون من بيئات ولِكُلِّ تفكيره وتربيته والاختلاف أمر راجح بينهما ، إلا أن الطرفين إن كانا رفيعي الخلق فإن اختلافهما ونقاشهما وتعايشهما سيكون جميلاً كجمال روحيهما .
وأظنك الآن فهمت لماذا قال عبقري هذه الأمة وخير خلق الله محمد صلى الله عليه وآله لرجل أتى يستشيره في الزواج : انكح وعليك بذات الدين تربت يداك .
إذن سيدي القارئ ... الحب يسيطر على الدماغ ويتحكم به نظراً لما ينتجه من هرمونات ، تُشوِّه له الواقع ، لكن سرعان ما يختفي أثرها ويزول مفعولها ، فينتج عنه الكثير من الاحتمالات السيئة كالخيانة أو المشاكل الزوجية أو الطلاق .
لذا الحل ان تُحسن اختيار شريكك وتنتقي أخلاقه بعناية ، والدين هي الوسيلة الأمثل لذلك ... فاظفر بذات الدين تربت يداك .

كم مرةً شعرت بحنينٍ إلى الماضي؟ إن الحنين إلى الماضي تجربة إنسانية... لا شك أنك مررت بها يوماً ما، إذ يتسلل إلى قلبك شوقٌ غريب لذكريات عفا عليها الزمن متمنياً عودتها لشعورك بأنها أفضل من حاضرك، فهل كانت تلك الذكريات حقاً أجمل... ولماذا ينتابك هذا الإحساس أصلاً؟ في ورقة بحثية لبروفيسور علم النفس ديفيد نيومان David Newman درس فيها الحنين إلى الماضي، قام بسؤال المشتركين في التجربة عن مدى حنينهم إلى الماضي، وأسئلة أخرى تختبر مدى سعادتهم ومشاعرهم السلبية أو الإيجابية عندما يخالج قلبهم شعور الحنين هذا. وتَـوصَّل إلى نتيجة – لا أظنها صادمة لك سيدي القارئ – أن ميل الإنسان إلى الحنين إلى الماضي مرتبط بالمشاعر السلبية كالحزن أو الندم أو حتى الاكتئاب، بينما المستويات العليا من الحنين إلى الماضي مرتبطة باضطرابات الهوية وفقدان معنى الحياة. فالأشخاص الذي قيموا أنفسهم على أنهم أكثر حنيناً إلى الماضي كانوا يعانون من عواطف سلبية بل ينظرون أحياناً إلى الحياة بسوداوية، على عكس أولئك الذين قيموا أنفسهم على أنهم أقل حنيناً. وفي ذات الورقة البحثية درس البروفيسور ديفيد مجموعة أخرى من الأشخاص على مدار أسبوعين، فحص فيها مدى حنينهم إلى الماضي والمشاعر التي تنتابهم على مدار اليوم. وكانت الأيام التي شعر فيها الناس بالحنين إلى الماضي هي غالباً ذات الأيام التي مروا فيها بأحداث أو مشاعر سلبية. وبما أن الدراسة تستقصي مشاعرهم يومياً، كان من الممكن بسهولة ملاحظة كيفية تأثير مشاعر اليوم على الغد، وكانت النتائج تشير بوضوح بأن الأيام التي شعر الناس فيها بالوحدة مالوا إلى الشعور بالحنين إلى الماضي في اليوم التالي، والأيام التي شعروا فيها بالحنين إلى الماضي أعقبتها أيام كانوا يميلون فيها إلى التفكير بالأشياء السلبية ويعيشون بعضاً من المشاعر الكئيبة. أي يمكن القول باختصار أن الشعور بالحنين إلى الماضي غالباً ما ينتج عن مشاعر سلبية كالوحدة، ويسبب تفكيراً سلبياً للمستقبل... لكن مهلاً الأمر ليس بهذه المشأمة أو التعاسة المطلقة... هناك جانبٌ مشرق. (أنا مو كاتب مقال عشان أطين عيشتك... انطر للنهاية 😜) هبني قبل ذلك أوضح لك الخدعة التي يقوم بها الدماغ هنا، فمعرفة كيف تجري الأمور في ذهنك ستجعلك تنظر للحنين إلى الماضي بطريقة مغايرة. في بادئ الأمر... الماضي ليس بتلك الجمالية التي تخبرك بها ذكرياتك. الدماغ البشري لا يسجل الذكريات بصورتها الحقيقية وبشكل محايد -أي كما نقول بحلوها ومرها- بل يميل إلى تذكر الأحداث الإيجابية بشكل أوضح بكثير من السلبية خاصة مع مرور الزمن، وهذا ما يُسمى في علم النفس بظاهرة "تحيز الذاكرة الإيجابية" Positive Memory Bias، فأنت مثلاً تتذكر تلك السهرة العائلية الممتعة في طفولتك، إلا أنك لا تتذكر معها المشكلات والتوترات التي عاشتها عائلتك في تلك الفترة، وهذه آلية دفاع نفسية يلجأ لها الدماغ ليقلل عن نفسه التوتر والقلق المرتبط بالزمن الحالي. وأذكر هنا دراسة أجراها البروفيسور Tim Wildschut شملت أكثر من 500 مشارك، سُئلوا عن تجارب الحنين إلى الماضي، وكانت النتيجة أن 79% من المشاركين استرجعوا ذكريات إيجابية عن ماضيهم، رغم اعترافهم لاحقاً بأن ظروف تلك الفترات لم تكن مثالية... بل وربما سيئة. أضف لذلك أن الدماغ ينظر للماضي -الذي نجوت منه وها أنت حيٌ الآن- على أنه أكثر أماناً من الحاضر بل وسيلة تلجأ لها من قلق الحاضر، خاصة عندما يواجه المرء ضغوطاً ومسؤوليات في الحاضر لا يدري إن كان سينجو نفسياً منها أم لا، والتي غالباً لم يكن يحمل عبئها أيام صباه أو في الماضي. وأما الأشخاص الأكبر سناً والذين عَـفَّـرت الحياةُ بهم الأرض، فهذه الضغوط التي تجعلهم يشعرون بحنين إلى الماضي غالباً ما تكون أزمات على مستوى الهوية أو الشعور بفقدان المعنى، وهذا الأمر شائع مع الأشخاص الذين يمرون بتغيرات كبيرة كالطلاق والتقاعد والبطالة... وهلم جراً. وفي دراسة للبروفيسور Tim Wildschut أيضاً (إلي انت طنشت اسمه قبل اشوي وطنشت اسمه الحين 😜) عرض على مجموعة من المشاركين مشاهد محبطة أثارت فيهم الشعور بالقلق أو الحزن، ثم طلب من نصفهم كتابة ذكريات من الماضي، وكانت النتيجة أن المشاركين الذين استدعوا ذكريات الطفولة، انخفضت مؤشرات القلق عندهم وزادت مشاعر الدفء العاطفي والانتماء، على عكس أولئك الذين لم يلجؤوا لذكرياتهم. وهناك جانب آخر بيولوجي... فمع التقدم في العمر تتغير طريقة معالجة الدماغ للذكريات، فالدوبامين -وهو ناقل عصبي مرتبط بالتحفيز والمكافأة- تقل فاعليته وينخفض مستواه في مرحلة لاحقة من العمر، مما يجعل الأحداث الجديدة في حياتك أقل إثارة وتشويقاً، بينما في المقابل تكون الذكريات القديمة قد حُفظت بشكل مثبت في الدماغ، ويكون استدعاؤها أسهل مما يعطي شعوراً مخادعاً بأنها أفضل... وهي حتماً ليست كذلك. نعم يا سيدي القارئ... الدماغ يصبح مملاً بعض الشيء مع التقدم بالعمر... إنها الحياة. 😢 الآن لننتقل إلى الجانب الإيجابي.... كفاناً نكداً.. أليس كذلك سيدي القارئ 😜 -كما قلت قبل قليل- يلجئ الدماغ إلى الحنين إلى الماضي ليخفف عن نفسه وطأة حاضره وقلقه، فهي كما نسميها في علم النفس "حيلة دفاعية" يلوذ بها الدماغ، لذا فهي -من الناحية النفسية- أشبه بعلاج يبتكره الدماغ لنفسه، لذا فهذا الشعور -رغم سلبيته- إلا أنه يدفع عنك ما كان أثقل حملاً وأشد جهداً، فالحمد لله الذي ألهم الدماغ هذا الشعور. وقبل الانتقال لنقطة أخرى إليك هذه الدراسة... أجرى الدكتور كلاي روتليدج Clay Routledge وفريقه البحثي من جامعة ولاية نورث داكوتا دراسة حول الحنين إلى الماضي وأثره على بيئة العمل. قدم الباحثون عدة استبيانات إلى المشاركين في التجربة، وهم مجموعة من الموظفين في شركات كبرى، وتم تقسيم الموظفين إلى مجموعتين. عُرض على كل فرد من المجموعة الأولى صور ومقاطع فيديو تعيدهم إلى لحظات نجاح سابقة عاشوها في الشركة، بينما المجموعة الثانية طُلب منهم التفكير في التحديات الحالية دون توجيههم إلى تذكر لحظات النجاح السابقة. أظهرت نتائج الدراسة أن المجموعة التي أعادوها إلى ذكرياتها السابقة كانت أكثر ميلاً نحو الإبداع وتحمل المخاطر لبضعة أيام لحقت التجربة، وأشار العديد من المشاركين في المجموعة الأولى أن تلك الذكريات عززت شعورهم بالانتماء ورفعت من معنوياتهم في الأوقات الصعبة. وأظهرت البيانات أن الحنين إلى الماضي ساعد في تحسين علاقات الموظفين مع بعضهم البعض، مما ساهم في زيادة التعاون ورضاهم عن العمل. أي أن الحنين إلى الماضي خلق بيئة إيجابية لتحمل ضغوطات الحاضر في العمل، وزاد من تكاتف الموظفين شعورياً... نعم إن له هذا التأثير الساحر!! ونحن البشر نمتلك قدراً رائعاً من التعاطف والمقدرة على فهم مشاعر الآخرين (إذا أنت ما تتعاطف مو محسوب علينا من البشر... شوف لك صنف أحيائي ثاني 😒)، وعندما نرى أمرؤاً يتوق للماضي فلا أظن أننا سنجد صعوبة في استيعاب أنه يشكو من حاضره أو أن هناك شيئاً ما أرهقه، وهذا ما قد يثير فينا عاطفة اتجاهه وبالتالي مساندته ودعمه وتقديم مشاعر المؤاساة له، ولعل دماغك قادك إلى الحنين إلى الماضي وبـثِّـه إلى الآخرين كبديل -أكثر عزة نفس وكبرياء - عن التذمر. وكثيراً ما أصادف منشورات في برامج التواصل الاجتماعي أو أستمع في أحاديث جانبية مع الأصدقاء ذلك الحنين إلى الماضي، وارتأيت أن أكتب هذا المقال لعله يوضح أو يقدم شيئاً لهم. سيدي القارئ... إن الحنين إلى الماضي تجربة إنسانية بامتياز، لا شك أننا سنشعر بها بين الحين والأخر، إنها ملاذ آمن يلوذ به الدماغ ليتخلص من ثقل الحاضر، نعم سيجلب لك بعضاً من المشاعر السلبية، بل ولربما يُضـيِّـق في عينيك رحيب الدنيا، وآمل ألا يحدث هذا.... وإن حدث فتأكَّد أن الماضي لم يكن بهذا الجمال فعلاً كي تتوق إليه، وأن الحياة وحاضرك حتماً لن يكونا عالماً وردياً، وستمر -كما مر غيرك- بالعديد من المصاعب والآلام ليس لأن الدنيا تكرهك اليوم وكانت تحن عليك بالماضي، بل لأن هذا جزء أصيل من الدنيا لا يتجزأ، فالحياة لا تكرهك أو تحبك هي تدور فقط دون اكتراث... فاخشوشن وواجها، واصنع بنفسك حاضراً أجمل من ماضيك، فأنت لا تمتلك أداة العودة للماضي لتحن إليه، لكن بيدك الآن أن تغير حاضرك للأجمل. ومهلاً... نحن هنا... زملاؤك البشر... حنينك إلى الماضي يحرك فينا مشاعر اتجاهك تجعل الحياة أكثر وداً ولطفاً. وذرني أبوح لك بما في قلبي سيدي القارئ... أنا أيضاً أحن إلى الماضي... لكن أحاول أن أغير حاضري للأجمل.

كم مره خنت فيها شعورك وأبديت إعجابك بأشياء لا تستحسنها؟ في عام 1897م اندلعت حرب بين الدولة العثمانية واليونان وكانت محط اهتمام الطبقة السياسية والنخب العليا، أما عوام الناس فكان "كُـلّا يدعي في الهوى وصل ليلى" والكل يريد الحديث عن هذه الحرب الطاحنة والتظاهر بالاهتمام كي يوحي للآخرين امتيازه الثقافي. إبان الحرب زارت بعض النسوة من الطبقة المخملية بيت الكاتب الروسي الشهير أنطون تشيخوف، والذي كان برفقة زميله الكاتب مكسيم غوركي، وسألنه عن رأيه حول هذه الحرب، فجلس يتأملهن... يرى وجوهاً بلهاء لا تعي المآسي التي تُخلفها الحروب، يتظاهرن بالاهتمام، فأجابهم بكل هدوء أن السلام هي النتيجة المرجحة لهذا الصراع. لم تكن تلك الإجابة التي يردن سماعها، فضغطن عليه كي يخبرهم أي الطرفين مرشح للفوز، فأجابهم بكل بساطة والابتسامة تملأ وجهه: "أعتقد أن الأقوى هو من سيفوز"، فزاد ضغطهن عليه ليُخبرهم من هو الطرف الأقوى، فقال "لا أشك أن الطرف الذي يحصل على تغذية أفضل وتعليم أفضل هو الأقوى". فسألنه بإلحاح "أي من طرفي الحرب تفضله شخصياً عن الآخر؟"، فقال بوجه مشرق: "سيداتي أنا أُفضل مربى البرتقال... هي تفضيلي الشخصي، هل تفضلونها أنتن" اندفعن بكل حماس للحوار عن المربى ونكهاتهن المفضلة، موضحات معرفتهن الواسعة بطرق تحضيرها، فكشفن اهتمامهن الحقيقي بالطعام بدلاً من التظاهر السابق بالانخراط في الخطاب السياسي، أما هو فكان يشاركهن الحوار بكل أريحية وسعادة. وما إن انتهين من جلستهن واستعدوا للمغادرة وَعَـدنَ تشيخوف بإرسال هبات سخية من مربى البرتقال، وشكرنه على حسن حواره ولطافة خطابه، فقد سُعدن حقاً بذلك، وبعد أن غادرن أثنى زميله غوركي على حواره معهن، فضحك تشيخوف وقال: "ما كان عليهن التظاهر... من الأفضل لكل إنسان أن يتحدث لغته الخاصة". فهل تتفق مع تشيخوف... أن على كل إنسان ترك التظاهر وأن يكون مخلصاً لما في داخله؟ لا شك أنك في وقت ما حاولت كبت مشاعرك وعدم إظهارها للآخرين، أو لعلك -وأرجو أن أكون مخطئاً- أبديت مشاعر زائفة لا تترجم ما في قلبك، ولو عدت في ذاكرتك واسترجعت سبب قيامك بذلك، فمن المرجح أن يكون السبب هو احترام مشاعر الآخرين، أو الحصول على مشاعر إيجابية منهم كالثقة أو المودة أو التعاطف. وأود بكل سعادة أن أزف لك البشرى... محاولتك لم تجدي نفعاً، لا تحاول تكرارها أرجوك، فمهما حاولت التمثيل والتظاهر بغير ما تشعر به فمن المرجح أنك ستحصل على نتيجة عكسية. أولاً إن تظاهرت سيُكشف أمرك.... إن أدمغتنا نحن البشر تمتلك قدرة جيدة على التفريق بين المشاعر الزائفة والحقيقية، فحتى الأطفال الرضع قادرين على ذلك بشكل رائع، ففي دراسة نفسية نُشرت عام 2015 في مجلة The Official Journal of the International Society on Infant Studies أظهر باحثو علم النفس من جامعة كونكورديا أن الرضع في وقت مبكر من العمر -18 شهراً- يمكنهم اكتشاف ما إذا كانت مشاعر الشخص حقيقية ومبررة أم لا. فكان الأطفال عندما يرون أحد أقاربهم تنكسر إحدى أدواته ثم يتظاهر بالحزن كانوا لا يبدون أي تعاطف معه، بينما القريب الذي يتعرض لذات الموقف وتبدو عليه مشاعر حزن حقيقية كان الأطفال يتعاطفون معه ويحاولون ببراءتهم التخفيف عنه. هل تـتذكر آخر موقف حاول أحدهم التظاهر أمامك بمشاعر زائفة، وكنت تعلم في قرارة نفسك أن مشاعره غير صادقة، هل تتذكر كيف كان الأمر واضحاً لك بينما يظن هو أن تمثيله جيد؟ حسناً الأمر ينطبق عليك كذلك، لست ممثلاً بارعاً.

ماذا لو اختفيت اليوم من الحياة... هل سيتأثر المحيطون بك؟ هل سينقص الحياة شيء؟ بعد يومٍ مرهق من العمل كانت جالساً في غرفتي شارد الذهن، فسمعت صوت أمي تسأل من في المنزل عني "هل ما زال هاشم موجود أم خرج؟"، فتسللت إلى ذهني حينها مقولة الفيلسوف رينيه ديكارت "أنا أفكر إذاً أنا موجود"، لذا أردت الخروج من غرفتي لأخبر أمي ممازحاً أنني كنت هنا أفكر فإذاً أنا موجود. لكن أمي شتت أفكاري ودمرت ما تبقى سليماً من عصبونات دماغي ولم تذر لي أي باقية من صلابتي النفسية، إذ سمعتها تقول لمن سألتهم "هاشم موجود فهذا نعاله عند باب الغرفة.... هاشم تعال وارمي أكياس الزبالة". آه يا سيدي القارئ... لا أخفيك السر... لقد كانت صعقة نفسية، إذ كان دليل وجودي نعال.... وحاجتها مني أكياس القمامة لا أكثر. لست مفكراً... ولكن السؤال الذي سهر معي تلك الليلة هو " إلى أي مدى أنا مهم ومطلوب ومُلاحظ ومؤثر في هذه الحياة؟!" وأظنه سؤال يراود الكثير من الناس أحياناً، وليس سؤالاً فلسفياً أو ترفاً فكرياً، بل إن لجوابه أثر نفسي ينعكس علينا وعلى صحتنا ومشاعرنا... وهذا ما أود الحديث عنه في كلماتي اليسيرة هذه. نحن كبشر لن نقول لمن سألنا "كيف حالك؟" - أشعر اليوم بالأهمية شكراً لك.، ولكن هذا الشعور قد يجعلك تشعر بخير فعلاً. الاحساس بهذا الشعور لا يتطلب نيل جائزة نوبل للسلام، بل يكفي أن تكون مؤثراً بحياة الناس من حولك أو بمحيطك الذي تعيش فيه، وكلما كنت مطلوباً وملاحظاً ومؤثراً أكثر كلما زاد اعتقادك بأهمية وجودك. وعندما تكون بمنظورك ذا أثر وأهمية سترى ذاتك بنوع من التقدير والاحترام، مما ينعكس على شعورك بالإيجاب، وهذه النظرة للذات لا تـتعلق بالغرور وتفضيل النفس على الآخرين، بل تعني استثمار نقاط قوتك وأحاسيسك لأجل الحياة ومن فيها. إن حب ترك بصمة على الحياة فطرة نولد عليها وتخالج أنفسنا إلى حين الممات، وهذا ما أكده أستاذ الفلسفة وعلم النفس كارل جروس Karl Gross عندما كتب نظرية قَـيّـمة حول لعب الأطفال، قال فيها: إن الأطفال الصغار يشعرون بسعادة كبيرة عندما يعتقدون أنهم مؤثرين في العالم من حولهم، فالطفل مثلاً عندما يمسك دمية ويضغطها لتخرج صوتاً يضحك كثيراً، ليس لأن الصوت مضحك بل لأنه شعر بتأثيره في الواقع، ويكرر العملية ليعيد نشوة متعة الإنجاز وأهمية وجوده، والطفل الذي يُحرم من اللعب أو يلعب مراراً ويفشل بالتأثير على الواقع يشعر بانزعاج الكبير، بل لربما يتقوقع على نفسه ويتشوه نفسياً فيكون ضعيف الشخصية مستقبلاً غير مهيأ للإنجاز. وهناك بحث أجراه الدكتور إلين لانجر من جامعة هارفارد على مجموعتين من كبار السن نزلاء دار رعاية المسنين، أعطوهم جميعاً بعض النباتات التي ستزين غرف جلوسهم ونومهم وممرات الدار، وأخبر الدكتور إلين المجموعة الأولى أنهم المسؤولون عن إبقاء النباتات على قيد الحياة والعناية بها ورعايتها لتضفي المزيد من الجمال والمنظر الصحي للدار، بينما أخبر المجموعة الثانية أن النباتات لهم ولكن موظفو الدار هم من سيعتنون بها. بعد 18 شهر من الاهتمام بالنباتات والتأثير بالمنظر الصحي لدار الرعاية كان ضعف عدد نزلاء المجموعة الأولى على قيد الحياة مقارنة بالمجموعة الثانية. أي أن الشعور بالتأثير على الحياة وما يحيط بنا يجعلنا أفضل سواء على الناحية الصحية أو الشعورية أو حتى على بناء الشخصية. وفي بحث رائع نُشر أمس -وهو ما دفعني لكتابة هذا المقال- وجد الباحثان في مجال علم الأعصاب المعرفي روبرت تشافيز وتود هيثرتون أن التقييم الإيجابي لأهمية الذات واحترام الذات يكمنان في ذات المنطقة في الدماغ، فكلاهما في المسار الجبهي للدماغ والذي يربط قشرة الفص الجبهي الإنسي بالمخطط البطني، أي هما وجهان لعملة واحدة، وكلما كان تقدير الذات أفضل كلما تحسن أداء هذا المسار عصبياً، والمهم هنا أن قوة هذا المسار تُحسن مستويات السيروتونين "هرمون السعادة"، والذي هو حتماً يؤثر على المزاج العام ويقلل القلق، بل ويمنع خطر الإصابة بعدة أنواع من الاضطرابات العاطفية والنفسية كالاكتئاب وانعدام الشهية أو فرط تناول الطعام. وكتبا في البحث أن الأشخاص الذي يكون لديهم هدف نبيل يتعلق بالتأثير في الحياة والناس من حولهم يرتفع لديهم الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين وهي ناقلات عصبية تتحكم في الحالة المزاجية والحركة والتحفيز والتي يسمونها عادة "ثلاثية السعادة"، أي كلما كنت نبيلاً في تأثيرك فيمن حولك زادت سعادتك وتقديرك للذات. للتبسيط... ولكي أخرجك من دهاليز الدماغ هذه أقول إن احترام الذات من خلال الشعور بأهميتها يمنحها صلابة نفسية وثقة في النفس وسعادة تقيك من التكدر العاطفي والنفسي. وختاماً... هناك لَبسٌ يجب التنويه عليه، يخلط الكثير من الناس بين احترام الذات وتقديرها وأشياء أخرى لا علاقة لها بالاحترام أساساً، فمثلاً يظن البعض أن الاحترام والتقدير للذات يعني أن الإنسان يجب أن يوفر لنفسه كل متع الحياة طولاً وعرضاً، فيأكل كل ما تشتهيه نفسه ويشتري ما يحب كتقدير للنفس، وهذا خطأ، بل إن من الحيوانية أن يجعل الإنسان نفسه مسخاً يطلق العنان لرغباته، فوحدها الحيوانات التي لا تراعي سوى شهواتها وما تستلذ به، بينما الإنسان من المفترض أن يكون لديه قيم ومبادئ وتضحيات، وإلا فما فرقه عن الحيوان؟!! وكما ذكرت سابقاً ليس هناك أي ربط من قريب ولا بعيد بين الغرور وبين تقدير الذات، فالأفضلية تعني المزيد من المسؤولية اتجاه الحياة ومن فيها، بينما النظرة الفوقية على الآخرين مجرد نرجسية مرضية لا أكثر. لذا تبقى القاعدة الذهبية في أفضلية الذات والشعور بأهميتها حديث رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال فيه: "خير الناس أنفعهم للناس". أنت خير الناس ما دمت مؤثراً وهماً في منفعة الناس، وأنت مجرد مسخ لا أهمية لوجودك ما دمت منغمساً في ملذاتك.