دماغك يُخادعك

لماذا نتابع أحياناً أخبار أشياء ننتقدها أو نصفها بالتفاهة كبعض مشاهير البرامج الاجتماعية مثلاً ؟ أَ تظنه فضولاً ؟
تذكر الجواب ... سنعود له لاحقاً .
مع تطور العلم واستكشاف الفضاء وبداية انتشار القصص الخيالية حول الأطباق الفضائية في خمسينيات القرن الماضي ، خرجت بعض الديانات الغربية جداً ، والتي تقوم على فكرة أن الكائنات الفضائية تريد مساعدة الإنسان للتخلص من الكراهية والمشاكل المحيطة به كالحروب وتلوث البيئة وما أشبه ، وأن تلك الكائنات ملائكة توحي للبشر .
ومن تلك الديانات هي ديانة الباحثين ( The Seekers ) ، والتي ترأستها دوروثي مارتن ، والتي قالت أنها يوماً ما شعرت بتنمل في يدها حتى فقدت الشعور بها ، ثم أن يدها بدأت تتحرك دون رغبة منها في ذلك ، فالتقطت قلماً وقرطاساً وبدأت تكتب وكأن هناك من يوظف يدها لإيصال رسالة ما .
كتبت يدها رسائل تحذيرية منذرة بقدوم طوفان يبيد الأرض ومن عليها ، لأن البشر تمادوا في طغيانهم يعمهون .
وقد تكرر أمر الرسائل ، وبدأت تسمع وحياً يتردد في أذنها يُخبرها بنبوءات ستحصل عما قريب ، ويدعوها للانطلاق بدعوة تُحذر البشر من شرٍ قد اقترب ... فذهبت للناس نبياً يدعو للخلاص .
آمنت ثلة بدوروثي ، والتي طلبت منهم أن يتجمعوا في حديقة منزلها الساعة الرابعة فجراً في 17 من شهر ديسمبر كي تأتي سفينة فضائية وتأخذ بأيديهم إلى الجنة ، فالأرض ستغرق بالطوفان . (أنا لو معاهم أغرق ولا أقوم الفجر 😒 لو سمحتي يا نبي .. أبي أنام )
انتشر صيت دوروثي ودعوتها في الأرجاء ، وسمع كثير من الناس عنها ، فأثار ذلك اهتمام دكتور علم النفس ليون فيستنجر Leon Festinger ، والذي التقى بدوروثي وزعم أنه مؤمن بها ليتسلل إلى المجموعة ويرى عن قرب ردة فعل أتباعها عندما تفشل النبوءة .
في اليوم الموعود تجمع أتباع دوروثي في حديقتها وطلبت منهم أن ينزعوا عن أجسادهم كل قطعة معدن كي يصعدوا إلى السفينة بكل أمان .
وأصبحت الساعة الرابعة فجراً وأعينهم إلى السماء تنتظر الفرج ... ولكن لم يأتي أحد . ( معقوله الفضائيين ضيعوا بالدرب ؟! 😕)
بعد ساعة ونصف من الانتظار عادوا إلى المنزل وبدأ السجال بين المؤمنين إلا أنهم اتفقوا في النهاية أنها كانت مجرد جلسة تدريب لهم كي يكونوا مستعدين للموعد الحقيقي .
في اليوم التالي قالت دوروثي لأتباعها أن الفضائيين أخبروها أنهم كانوا قادمين والمؤمنون بها هم الفئة الناجية ، وأعطوها موعداً آخراً وهو 21 من ديسمبر .
تجمعوا بحماسة هذه المرة في الحديقة ، ونزعوا عن أجسادهم كل شيء يحتوي على المعدن ، وانتظروا ... لكن دون جدوى ولم يأتي أحد ، فدخلوا إلى المنزل خائبين .
فتفحصت دوروثي أتباعها ، ووجدت أن هناك امرأة لم تخلع حمالة صدرها والتي تحتوي على مشابك معدنية ، فأخبرت أتباعها أن ما حادهم عن الخلاص هو هذا المشبك . ( ما راحو الجنة بسبب ستيان 🤣)
في اليوم التالي أعطتهم موعداً جديداً وأخيراً وهو عشية عيد ميلاد السيد المسيح ، فتجمعوا في الحديقة ومسك المؤمنون بأيدي بعضهم البعض وبدأوا بالترنيم ، وحانت ساعة وصول الفضائيين ، وكالعادة ولم يأتي أحد . (دوروثي دازتلهم لوكيشن غلط 😜)
لو كنت مؤمناً بدوروثي ... ماذا ستفعل حينها ؟ هل كنت ستكفر بها وبنبوءاتها والفضائيين ؟
لك أن تتخيل أن هذه المواقف زادت من ترسيخ اعتقاد أتباعها ، بل إنهم في اليوم التالي أخرجوا بياناً قالوا فيه أن الرب دفع الطوفان عن الأرض بفضل هؤلاء الكرام الذين تجمعوا ورنموا أناشيد الميلاد . ( مولاتنا دوروثي فيج بخت ❤️)
هنا كتب الدكتور ليون فيستنجر كتابه الشهير "عندما تفشل النبوءة When Prophecy Fails" والذي تحدث فيه عن دوروثي وأتباعها و"نظرية التنافر المعرفي" التي تحصل في أدمغة الناس عندما يكون هناك تناقض بين أفكارهم ومعتقداتهم وبين سلوكهم ، والذي لا شك أننا وقعنا في فخه يوماً ما ... وسأوضح لك ذلك .
أظن أن جميعنا مررنا في حياتنا بصديق مدخن و اقترحنا عليه ترك التدخين ، فقال لك أن التدخين يمنحه التركيز ويساهم في التفكير وهدوء الأعصاب أو ممتع للدماغ ، وأنه لا يقتل لأن جد صديقه كان مدخناً وعاش للتسعين من عمره ... وما أشبه من تلك الجمل .
دماغ المدخن مدرك تماماً لضرر التدخين ، لكن سلوكه يناقضه ، وهنا يكون الدماغ في حالة صراع بين الإدراك والأفكار وبين السلوك ، فيسبب ذلك للدماغ حالة من الإزعاج والفوضى الضميرية ، فيرغب في إنهاء النزاع والتنافر الحاصل بينهما كي يزول ذلك .
ويكون هنا الدماغ بين ثلاثة اختيارات : إما أن يُغير السلوك لأجل الإدراك ، أو يغير الأفكار ويشكك فيها حفاظاً على السلوك ، أو يبرر السلوك بأفكار أخرى تجعله يرضى عنه ويعود له الاتزان النفسي الذي فقده .
والمدخن المستمر بالتدخين غالباً ما سيختار تلك الأفكار التي تُعقلن اللامعقول وتبرر سلوكه ليرتاح نفسياً ... وهذا ما يُسمى بـ"التنافر المعرفي" .
إن أدمغتنا مرنة جداً في معالجة الأفكار والمعطيات ، وبإمكانها - وبكل سهولة - إعادة صياغة التناقضات لتكون أكثر تقبلاً على العقل والنفس .
ويختلف الازعاج وتأنيب الضمير وفقاً لأهمية الأفكار المتنافرة في حياة الإنسان ، وفي تلك المسائل الحساسة جداً والمهمة كالدين والميعاد والجنة ، يعصف الدماغ تنافر حاد ، لذا يسرع في وجود مخرج لها كي يرتاح ... فالدماغ لا يملك طولة البال على تناقضاته .
وأسهل طريقة للخروج من تناقض الأفكار هو الانحياز لها وتبريرها بأفكار أخرى ولو كانت غريبة أو لا منطقية ، تماماً كما حصل مع أتباع دوروثي ، فعندما فشلت النبوءة مراراً انحازوا لأفكارهم وزاد اعتقادهم بها وبرروها بأفكار تعززها ، كفكرة أنهم المؤمنين الصادقين الذين بفضلهم أنجى الرب الأرض ومن عليها .
نحن البشر نؤمن بجمال وضرورة اللطف والرحمة ولكن أحياناً نتخذ سلوكاً عدوانياً اتجاه الآخرين ، فيدخل الدماغ في دوامة من التنافر المعرفي ، والسبيل الأمثل للخروج منها هو تبرير تلك الأفعال بأعذار في حقيقتها غير عقلانية ... وإليك هذه التجربة .
أحد أشهر تجارب علم النفس هي تجربة ملغرام لدكتور علم النفس ستانلي ملغرام Stanley Milgram ، إذ قام بتجربة على أشخاص لم يعرفوا أنهم تحت الاختبار وأن تصرفهم وردة فعلهم هو هدف التجربة .
وتمحورت التجربة بقيام هؤلاء الأشخاص بسؤال رجل في غرفة مجاورة لا يرونه - وهو في الحقيقة من فريق عمل التجربة - ، وكان بينهم سماعة وميكروفون فقط ، فيقولون له كلمات يجمعها رابط واضح كأزرق وسماء أحمر وتفاح ... إلخ ، ثم يطلبون منه تذكرها ، فإن أجاب بشكل صحيح انتقلوا إلى السؤال التالي ، وإن أخطأ يتم صعقه بالكهرباء .
وكانت الكهرباء متدرجة القوة وتزداد عند كل خطئ ، وتبدأ من 20 فولة وتنتهي عند 450 فولت ... وهو قدر موجع جداً من الطاقة .
الرجل كان يجيب مرة بشكل صحيح ثم يتعمد الخطأ ، فيقوم المتطوعون للتجربة بصعقه بالكهرباء ، إلا أنه وعند حد معين يتظاهر الرجل بالصراخ وطلب الاستغاثة .
المتطوعون كانوا يقفون لحظة سماعهم للصراخ ويطلبون من فريق العمل إيقاف التجربة ، إلا أن القائمين على التجربة كانوا يطلبون منهم الإكمال وعدم التوقف ويزجرونهم على ذلك ، ليروا كيف سيطيعون الأوامر ، وإلى أي مدى سيصلون في إيذاء الغير وكيف سيبررون ذلك بعد التجربة .
من بين ألف متطوع للتجربة من أعراق وديانات وطبقات مجتمعية مختلفة ، وصل 650 شخص منهم إلى أقصى مدى للفولت !! .
وبعد انتهاء التجربة كانوا يسألونهم لماذا وصلتم إلى هذا القدر من الفولت لرجل كان فقط لا يعرف الجواب ؟ ، غالبية المتطوعين أجابوا بأنهم كانوا يتبعون الأوامر فقط ، والبعض كان يزيد على ذلك فيقول أنه يستحق ذلك لأنه غبي ، أو يستحق ذلك لأنه تطوع إلى تجربة يعرف مخاطرها .... وأجوبة أخرى تحاول تبرير سلوكهم السادي المتطرف .
المتطوعون بشر والرحمة جزء من فطرتهم ، لكن سلوكهم تناقض مع أفكارهم ، فحدث في أدمغتهم تنافر معرفي ، لذا برروا سلوكهم بأفكار حمقاء كي يرتاحوا من تأنيب الضمير والازعاج الحاصل في أدمغتهم ... بل أصبحوا قضاة وارتضوا بعقابه بالصعق فقط لأنه غبي !! .
وهذا يُفسر لك لماذا يقوم قادة الجيش باتباع تعليمات الحكام بقتل الناس رغم أن هذا لا يتوافق مع فطرتهم ، ففي ألمانيا النازية مثلاً قام الضابط "أودلف أيخمان" بمجازر عدة منها محاولة إبادة يهود أوربا ، وفي محاكمته كتب أدولف للقاضي رسالة جاء فيها : "هناك خط فاصل يجب أن يُرسم بين أصحاب القرار وأمثالي الذين لا يملكون سوى تنفيذ الأوامر ، أنا لم أكن القائد ولم يكن هذا قراري لذا لا أشعر بالذنب على ما جرى .
لنعد إلى سؤال أول المقال ... لماذا نتابع أحياناً أخبار أشياء ننتقدها أو نصفها بالتفاهة كبعض مشاهير البرامج الاجتماعية مثلاً ؟ أَ تظنه فضولاً ؟
أدمغتنا تدرك أن من يتابع التفاهة تافه ... لكنها لن ترضى أن نصف أنفسنا بذلك ، فندخل في تنافر معرفي ، وحينها نحاول تبرير سلوكنا بأنه مجرد فضول لا أكثر ، أو أنه إضاعة وقت وما أشبه من أعذار كي نشعر بالرضا عن أنفسنا .
كثير من تصرفاتنا تخالف إدراكنا وأفكارنا ومبادئنا وأهدافنا في الحياة ، فيدخل الدماغ بحالة تنافر معرفي ويختل توازننا النفسي ، فتهرول أدمغتنا إلى عقلنة اللامعقول وتبرير أفعالها الخاطئة عوضاً عن تصحيحها .
إننا لا نمتلك جرأة محاسبة النفس ومواجهة أخطائها كي نغير سلوكها ... إن أدمغتنا غالباً ما تخدعنا ، فنقوم بتبرير أخطائنا كي نرتاح من تأنيب الضمير ونعيد لأنفسنا سلامها واتزانها .
إن الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام رجل حكيم ولم يقل اعتباطاً : "أعدى أعداؤك إليك نفسك" . ، ففعلاً أنفسنا تحاول جاهدة أن تعيد توازنها ولو كان ذلك على حساب تبرير الخطأ والاستمرار فيه .
يستلزم النجاح في الحياة تقويمَ السلوك وانتهاج الطريق السليم ، وذلك يتطلب منا أن نكف عن تبرير أخطائنا في كل تنافر معرفي ... يجب أن نمتلك تلك الشجاعة لمواجهة النفس وأخطائها ، لا أن نُرَبِّـت على كتفها كي تهدأ .
كذلك المعتقدات والأفكار التي نؤمن بها ... نحن قد نصدق أفكاراً غير صحيحة ، ثم نرى بأم أعيينا الأدلة التي تكذبها ، وحينها إما أن ندخل دوامة التفكير والتمحيص - وهذا يُكلف أدمغتنا الكسولة طاقةً - أو ننحاز لها ونؤكدها ونبررها بأفكار أخرى غير عقلانية لنخرج من تنافرنا المعرفي .
قم بجولة في ذاكرتك الآن ... كم تصرف لا يليق بأفكارك ومبادئك قمت به وبررته ؟ كم فكرة تؤمن بها ورأيت مقولات تعارضها لكنك استمريت في الانحياز لها دون أن تتفحص أدلتها ؟
آمل أن لا يقول لك دماغك الآن كُف عن هذا فمقال هاشم مجرد هراء ، فهذه وسيلة منه ستريح ضميرك من إعادة التفكر بأخطائك .. وستنهي تنافرك المعرفي بسلام .
واجهه ... فهو يخادعك .

كم مرةً شعرت بحنينٍ إلى الماضي؟ إن الحنين إلى الماضي تجربة إنسانية... لا شك أنك مررت بها يوماً ما، إذ يتسلل إلى قلبك شوقٌ غريب لذكريات عفا عليها الزمن متمنياً عودتها لشعورك بأنها أفضل من حاضرك، فهل كانت تلك الذكريات حقاً أجمل... ولماذا ينتابك هذا الإحساس أصلاً؟ في ورقة بحثية لبروفيسور علم النفس ديفيد نيومان David Newman درس فيها الحنين إلى الماضي، قام بسؤال المشتركين في التجربة عن مدى حنينهم إلى الماضي، وأسئلة أخرى تختبر مدى سعادتهم ومشاعرهم السلبية أو الإيجابية عندما يخالج قلبهم شعور الحنين هذا. وتَـوصَّل إلى نتيجة – لا أظنها صادمة لك سيدي القارئ – أن ميل الإنسان إلى الحنين إلى الماضي مرتبط بالمشاعر السلبية كالحزن أو الندم أو حتى الاكتئاب، بينما المستويات العليا من الحنين إلى الماضي مرتبطة باضطرابات الهوية وفقدان معنى الحياة. فالأشخاص الذي قيموا أنفسهم على أنهم أكثر حنيناً إلى الماضي كانوا يعانون من عواطف سلبية بل ينظرون أحياناً إلى الحياة بسوداوية، على عكس أولئك الذين قيموا أنفسهم على أنهم أقل حنيناً. وفي ذات الورقة البحثية درس البروفيسور ديفيد مجموعة أخرى من الأشخاص على مدار أسبوعين، فحص فيها مدى حنينهم إلى الماضي والمشاعر التي تنتابهم على مدار اليوم. وكانت الأيام التي شعر فيها الناس بالحنين إلى الماضي هي غالباً ذات الأيام التي مروا فيها بأحداث أو مشاعر سلبية. وبما أن الدراسة تستقصي مشاعرهم يومياً، كان من الممكن بسهولة ملاحظة كيفية تأثير مشاعر اليوم على الغد، وكانت النتائج تشير بوضوح بأن الأيام التي شعر الناس فيها بالوحدة مالوا إلى الشعور بالحنين إلى الماضي في اليوم التالي، والأيام التي شعروا فيها بالحنين إلى الماضي أعقبتها أيام كانوا يميلون فيها إلى التفكير بالأشياء السلبية ويعيشون بعضاً من المشاعر الكئيبة. أي يمكن القول باختصار أن الشعور بالحنين إلى الماضي غالباً ما ينتج عن مشاعر سلبية كالوحدة، ويسبب تفكيراً سلبياً للمستقبل... لكن مهلاً الأمر ليس بهذه المشأمة أو التعاسة المطلقة... هناك جانبٌ مشرق. (أنا مو كاتب مقال عشان أطين عيشتك... انطر للنهاية 😜) هبني قبل ذلك أوضح لك الخدعة التي يقوم بها الدماغ هنا، فمعرفة كيف تجري الأمور في ذهنك ستجعلك تنظر للحنين إلى الماضي بطريقة مغايرة. في بادئ الأمر... الماضي ليس بتلك الجمالية التي تخبرك بها ذكرياتك. الدماغ البشري لا يسجل الذكريات بصورتها الحقيقية وبشكل محايد -أي كما نقول بحلوها ومرها- بل يميل إلى تذكر الأحداث الإيجابية بشكل أوضح بكثير من السلبية خاصة مع مرور الزمن، وهذا ما يُسمى في علم النفس بظاهرة "تحيز الذاكرة الإيجابية" Positive Memory Bias، فأنت مثلاً تتذكر تلك السهرة العائلية الممتعة في طفولتك، إلا أنك لا تتذكر معها المشكلات والتوترات التي عاشتها عائلتك في تلك الفترة، وهذه آلية دفاع نفسية يلجأ لها الدماغ ليقلل عن نفسه التوتر والقلق المرتبط بالزمن الحالي. وأذكر هنا دراسة أجراها البروفيسور Tim Wildschut شملت أكثر من 500 مشارك، سُئلوا عن تجارب الحنين إلى الماضي، وكانت النتيجة أن 79% من المشاركين استرجعوا ذكريات إيجابية عن ماضيهم، رغم اعترافهم لاحقاً بأن ظروف تلك الفترات لم تكن مثالية... بل وربما سيئة. أضف لذلك أن الدماغ ينظر للماضي -الذي نجوت منه وها أنت حيٌ الآن- على أنه أكثر أماناً من الحاضر بل وسيلة تلجأ لها من قلق الحاضر، خاصة عندما يواجه المرء ضغوطاً ومسؤوليات في الحاضر لا يدري إن كان سينجو نفسياً منها أم لا، والتي غالباً لم يكن يحمل عبئها أيام صباه أو في الماضي. وأما الأشخاص الأكبر سناً والذين عَـفَّـرت الحياةُ بهم الأرض، فهذه الضغوط التي تجعلهم يشعرون بحنين إلى الماضي غالباً ما تكون أزمات على مستوى الهوية أو الشعور بفقدان المعنى، وهذا الأمر شائع مع الأشخاص الذين يمرون بتغيرات كبيرة كالطلاق والتقاعد والبطالة... وهلم جراً. وفي دراسة للبروفيسور Tim Wildschut أيضاً (إلي انت طنشت اسمه قبل اشوي وطنشت اسمه الحين 😜) عرض على مجموعة من المشاركين مشاهد محبطة أثارت فيهم الشعور بالقلق أو الحزن، ثم طلب من نصفهم كتابة ذكريات من الماضي، وكانت النتيجة أن المشاركين الذين استدعوا ذكريات الطفولة، انخفضت مؤشرات القلق عندهم وزادت مشاعر الدفء العاطفي والانتماء، على عكس أولئك الذين لم يلجؤوا لذكرياتهم. وهناك جانب آخر بيولوجي... فمع التقدم في العمر تتغير طريقة معالجة الدماغ للذكريات، فالدوبامين -وهو ناقل عصبي مرتبط بالتحفيز والمكافأة- تقل فاعليته وينخفض مستواه في مرحلة لاحقة من العمر، مما يجعل الأحداث الجديدة في حياتك أقل إثارة وتشويقاً، بينما في المقابل تكون الذكريات القديمة قد حُفظت بشكل مثبت في الدماغ، ويكون استدعاؤها أسهل مما يعطي شعوراً مخادعاً بأنها أفضل... وهي حتماً ليست كذلك. نعم يا سيدي القارئ... الدماغ يصبح مملاً بعض الشيء مع التقدم بالعمر... إنها الحياة. 😢 الآن لننتقل إلى الجانب الإيجابي.... كفاناً نكداً.. أليس كذلك سيدي القارئ 😜 -كما قلت قبل قليل- يلجئ الدماغ إلى الحنين إلى الماضي ليخفف عن نفسه وطأة حاضره وقلقه، فهي كما نسميها في علم النفس "حيلة دفاعية" يلوذ بها الدماغ، لذا فهي -من الناحية النفسية- أشبه بعلاج يبتكره الدماغ لنفسه، لذا فهذا الشعور -رغم سلبيته- إلا أنه يدفع عنك ما كان أثقل حملاً وأشد جهداً، فالحمد لله الذي ألهم الدماغ هذا الشعور. وقبل الانتقال لنقطة أخرى إليك هذه الدراسة... أجرى الدكتور كلاي روتليدج Clay Routledge وفريقه البحثي من جامعة ولاية نورث داكوتا دراسة حول الحنين إلى الماضي وأثره على بيئة العمل. قدم الباحثون عدة استبيانات إلى المشاركين في التجربة، وهم مجموعة من الموظفين في شركات كبرى، وتم تقسيم الموظفين إلى مجموعتين. عُرض على كل فرد من المجموعة الأولى صور ومقاطع فيديو تعيدهم إلى لحظات نجاح سابقة عاشوها في الشركة، بينما المجموعة الثانية طُلب منهم التفكير في التحديات الحالية دون توجيههم إلى تذكر لحظات النجاح السابقة. أظهرت نتائج الدراسة أن المجموعة التي أعادوها إلى ذكرياتها السابقة كانت أكثر ميلاً نحو الإبداع وتحمل المخاطر لبضعة أيام لحقت التجربة، وأشار العديد من المشاركين في المجموعة الأولى أن تلك الذكريات عززت شعورهم بالانتماء ورفعت من معنوياتهم في الأوقات الصعبة. وأظهرت البيانات أن الحنين إلى الماضي ساعد في تحسين علاقات الموظفين مع بعضهم البعض، مما ساهم في زيادة التعاون ورضاهم عن العمل. أي أن الحنين إلى الماضي خلق بيئة إيجابية لتحمل ضغوطات الحاضر في العمل، وزاد من تكاتف الموظفين شعورياً... نعم إن له هذا التأثير الساحر!! ونحن البشر نمتلك قدراً رائعاً من التعاطف والمقدرة على فهم مشاعر الآخرين (إذا أنت ما تتعاطف مو محسوب علينا من البشر... شوف لك صنف أحيائي ثاني 😒)، وعندما نرى أمرؤاً يتوق للماضي فلا أظن أننا سنجد صعوبة في استيعاب أنه يشكو من حاضره أو أن هناك شيئاً ما أرهقه، وهذا ما قد يثير فينا عاطفة اتجاهه وبالتالي مساندته ودعمه وتقديم مشاعر المؤاساة له، ولعل دماغك قادك إلى الحنين إلى الماضي وبـثِّـه إلى الآخرين كبديل -أكثر عزة نفس وكبرياء - عن التذمر. وكثيراً ما أصادف منشورات في برامج التواصل الاجتماعي أو أستمع في أحاديث جانبية مع الأصدقاء ذلك الحنين إلى الماضي، وارتأيت أن أكتب هذا المقال لعله يوضح أو يقدم شيئاً لهم. سيدي القارئ... إن الحنين إلى الماضي تجربة إنسانية بامتياز، لا شك أننا سنشعر بها بين الحين والأخر، إنها ملاذ آمن يلوذ به الدماغ ليتخلص من ثقل الحاضر، نعم سيجلب لك بعضاً من المشاعر السلبية، بل ولربما يُضـيِّـق في عينيك رحيب الدنيا، وآمل ألا يحدث هذا.... وإن حدث فتأكَّد أن الماضي لم يكن بهذا الجمال فعلاً كي تتوق إليه، وأن الحياة وحاضرك حتماً لن يكونا عالماً وردياً، وستمر -كما مر غيرك- بالعديد من المصاعب والآلام ليس لأن الدنيا تكرهك اليوم وكانت تحن عليك بالماضي، بل لأن هذا جزء أصيل من الدنيا لا يتجزأ، فالحياة لا تكرهك أو تحبك هي تدور فقط دون اكتراث... فاخشوشن وواجها، واصنع بنفسك حاضراً أجمل من ماضيك، فأنت لا تمتلك أداة العودة للماضي لتحن إليه، لكن بيدك الآن أن تغير حاضرك للأجمل. ومهلاً... نحن هنا... زملاؤك البشر... حنينك إلى الماضي يحرك فينا مشاعر اتجاهك تجعل الحياة أكثر وداً ولطفاً. وذرني أبوح لك بما في قلبي سيدي القارئ... أنا أيضاً أحن إلى الماضي... لكن أحاول أن أغير حاضري للأجمل.

كم مره خنت فيها شعورك وأبديت إعجابك بأشياء لا تستحسنها؟ في عام 1897م اندلعت حرب بين الدولة العثمانية واليونان وكانت محط اهتمام الطبقة السياسية والنخب العليا، أما عوام الناس فكان "كُـلّا يدعي في الهوى وصل ليلى" والكل يريد الحديث عن هذه الحرب الطاحنة والتظاهر بالاهتمام كي يوحي للآخرين امتيازه الثقافي. إبان الحرب زارت بعض النسوة من الطبقة المخملية بيت الكاتب الروسي الشهير أنطون تشيخوف، والذي كان برفقة زميله الكاتب مكسيم غوركي، وسألنه عن رأيه حول هذه الحرب، فجلس يتأملهن... يرى وجوهاً بلهاء لا تعي المآسي التي تُخلفها الحروب، يتظاهرن بالاهتمام، فأجابهم بكل هدوء أن السلام هي النتيجة المرجحة لهذا الصراع. لم تكن تلك الإجابة التي يردن سماعها، فضغطن عليه كي يخبرهم أي الطرفين مرشح للفوز، فأجابهم بكل بساطة والابتسامة تملأ وجهه: "أعتقد أن الأقوى هو من سيفوز"، فزاد ضغطهن عليه ليُخبرهم من هو الطرف الأقوى، فقال "لا أشك أن الطرف الذي يحصل على تغذية أفضل وتعليم أفضل هو الأقوى". فسألنه بإلحاح "أي من طرفي الحرب تفضله شخصياً عن الآخر؟"، فقال بوجه مشرق: "سيداتي أنا أُفضل مربى البرتقال... هي تفضيلي الشخصي، هل تفضلونها أنتن" اندفعن بكل حماس للحوار عن المربى ونكهاتهن المفضلة، موضحات معرفتهن الواسعة بطرق تحضيرها، فكشفن اهتمامهن الحقيقي بالطعام بدلاً من التظاهر السابق بالانخراط في الخطاب السياسي، أما هو فكان يشاركهن الحوار بكل أريحية وسعادة. وما إن انتهين من جلستهن واستعدوا للمغادرة وَعَـدنَ تشيخوف بإرسال هبات سخية من مربى البرتقال، وشكرنه على حسن حواره ولطافة خطابه، فقد سُعدن حقاً بذلك، وبعد أن غادرن أثنى زميله غوركي على حواره معهن، فضحك تشيخوف وقال: "ما كان عليهن التظاهر... من الأفضل لكل إنسان أن يتحدث لغته الخاصة". فهل تتفق مع تشيخوف... أن على كل إنسان ترك التظاهر وأن يكون مخلصاً لما في داخله؟ لا شك أنك في وقت ما حاولت كبت مشاعرك وعدم إظهارها للآخرين، أو لعلك -وأرجو أن أكون مخطئاً- أبديت مشاعر زائفة لا تترجم ما في قلبك، ولو عدت في ذاكرتك واسترجعت سبب قيامك بذلك، فمن المرجح أن يكون السبب هو احترام مشاعر الآخرين، أو الحصول على مشاعر إيجابية منهم كالثقة أو المودة أو التعاطف. وأود بكل سعادة أن أزف لك البشرى... محاولتك لم تجدي نفعاً، لا تحاول تكرارها أرجوك، فمهما حاولت التمثيل والتظاهر بغير ما تشعر به فمن المرجح أنك ستحصل على نتيجة عكسية. أولاً إن تظاهرت سيُكشف أمرك.... إن أدمغتنا نحن البشر تمتلك قدرة جيدة على التفريق بين المشاعر الزائفة والحقيقية، فحتى الأطفال الرضع قادرين على ذلك بشكل رائع، ففي دراسة نفسية نُشرت عام 2015 في مجلة The Official Journal of the International Society on Infant Studies أظهر باحثو علم النفس من جامعة كونكورديا أن الرضع في وقت مبكر من العمر -18 شهراً- يمكنهم اكتشاف ما إذا كانت مشاعر الشخص حقيقية ومبررة أم لا. فكان الأطفال عندما يرون أحد أقاربهم تنكسر إحدى أدواته ثم يتظاهر بالحزن كانوا لا يبدون أي تعاطف معه، بينما القريب الذي يتعرض لذات الموقف وتبدو عليه مشاعر حزن حقيقية كان الأطفال يتعاطفون معه ويحاولون ببراءتهم التخفيف عنه. هل تـتذكر آخر موقف حاول أحدهم التظاهر أمامك بمشاعر زائفة، وكنت تعلم في قرارة نفسك أن مشاعره غير صادقة، هل تتذكر كيف كان الأمر واضحاً لك بينما يظن هو أن تمثيله جيد؟ حسناً الأمر ينطبق عليك كذلك، لست ممثلاً بارعاً.

ماذا لو اختفيت اليوم من الحياة... هل سيتأثر المحيطون بك؟ هل سينقص الحياة شيء؟ بعد يومٍ مرهق من العمل كانت جالساً في غرفتي شارد الذهن، فسمعت صوت أمي تسأل من في المنزل عني "هل ما زال هاشم موجود أم خرج؟"، فتسللت إلى ذهني حينها مقولة الفيلسوف رينيه ديكارت "أنا أفكر إذاً أنا موجود"، لذا أردت الخروج من غرفتي لأخبر أمي ممازحاً أنني كنت هنا أفكر فإذاً أنا موجود. لكن أمي شتت أفكاري ودمرت ما تبقى سليماً من عصبونات دماغي ولم تذر لي أي باقية من صلابتي النفسية، إذ سمعتها تقول لمن سألتهم "هاشم موجود فهذا نعاله عند باب الغرفة.... هاشم تعال وارمي أكياس الزبالة". آه يا سيدي القارئ... لا أخفيك السر... لقد كانت صعقة نفسية، إذ كان دليل وجودي نعال.... وحاجتها مني أكياس القمامة لا أكثر. لست مفكراً... ولكن السؤال الذي سهر معي تلك الليلة هو " إلى أي مدى أنا مهم ومطلوب ومُلاحظ ومؤثر في هذه الحياة؟!" وأظنه سؤال يراود الكثير من الناس أحياناً، وليس سؤالاً فلسفياً أو ترفاً فكرياً، بل إن لجوابه أثر نفسي ينعكس علينا وعلى صحتنا ومشاعرنا... وهذا ما أود الحديث عنه في كلماتي اليسيرة هذه. نحن كبشر لن نقول لمن سألنا "كيف حالك؟" - أشعر اليوم بالأهمية شكراً لك.، ولكن هذا الشعور قد يجعلك تشعر بخير فعلاً. الاحساس بهذا الشعور لا يتطلب نيل جائزة نوبل للسلام، بل يكفي أن تكون مؤثراً بحياة الناس من حولك أو بمحيطك الذي تعيش فيه، وكلما كنت مطلوباً وملاحظاً ومؤثراً أكثر كلما زاد اعتقادك بأهمية وجودك. وعندما تكون بمنظورك ذا أثر وأهمية سترى ذاتك بنوع من التقدير والاحترام، مما ينعكس على شعورك بالإيجاب، وهذه النظرة للذات لا تـتعلق بالغرور وتفضيل النفس على الآخرين، بل تعني استثمار نقاط قوتك وأحاسيسك لأجل الحياة ومن فيها. إن حب ترك بصمة على الحياة فطرة نولد عليها وتخالج أنفسنا إلى حين الممات، وهذا ما أكده أستاذ الفلسفة وعلم النفس كارل جروس Karl Gross عندما كتب نظرية قَـيّـمة حول لعب الأطفال، قال فيها: إن الأطفال الصغار يشعرون بسعادة كبيرة عندما يعتقدون أنهم مؤثرين في العالم من حولهم، فالطفل مثلاً عندما يمسك دمية ويضغطها لتخرج صوتاً يضحك كثيراً، ليس لأن الصوت مضحك بل لأنه شعر بتأثيره في الواقع، ويكرر العملية ليعيد نشوة متعة الإنجاز وأهمية وجوده، والطفل الذي يُحرم من اللعب أو يلعب مراراً ويفشل بالتأثير على الواقع يشعر بانزعاج الكبير، بل لربما يتقوقع على نفسه ويتشوه نفسياً فيكون ضعيف الشخصية مستقبلاً غير مهيأ للإنجاز. وهناك بحث أجراه الدكتور إلين لانجر من جامعة هارفارد على مجموعتين من كبار السن نزلاء دار رعاية المسنين، أعطوهم جميعاً بعض النباتات التي ستزين غرف جلوسهم ونومهم وممرات الدار، وأخبر الدكتور إلين المجموعة الأولى أنهم المسؤولون عن إبقاء النباتات على قيد الحياة والعناية بها ورعايتها لتضفي المزيد من الجمال والمنظر الصحي للدار، بينما أخبر المجموعة الثانية أن النباتات لهم ولكن موظفو الدار هم من سيعتنون بها. بعد 18 شهر من الاهتمام بالنباتات والتأثير بالمنظر الصحي لدار الرعاية كان ضعف عدد نزلاء المجموعة الأولى على قيد الحياة مقارنة بالمجموعة الثانية. أي أن الشعور بالتأثير على الحياة وما يحيط بنا يجعلنا أفضل سواء على الناحية الصحية أو الشعورية أو حتى على بناء الشخصية. وفي بحث رائع نُشر أمس -وهو ما دفعني لكتابة هذا المقال- وجد الباحثان في مجال علم الأعصاب المعرفي روبرت تشافيز وتود هيثرتون أن التقييم الإيجابي لأهمية الذات واحترام الذات يكمنان في ذات المنطقة في الدماغ، فكلاهما في المسار الجبهي للدماغ والذي يربط قشرة الفص الجبهي الإنسي بالمخطط البطني، أي هما وجهان لعملة واحدة، وكلما كان تقدير الذات أفضل كلما تحسن أداء هذا المسار عصبياً، والمهم هنا أن قوة هذا المسار تُحسن مستويات السيروتونين "هرمون السعادة"، والذي هو حتماً يؤثر على المزاج العام ويقلل القلق، بل ويمنع خطر الإصابة بعدة أنواع من الاضطرابات العاطفية والنفسية كالاكتئاب وانعدام الشهية أو فرط تناول الطعام. وكتبا في البحث أن الأشخاص الذي يكون لديهم هدف نبيل يتعلق بالتأثير في الحياة والناس من حولهم يرتفع لديهم الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين وهي ناقلات عصبية تتحكم في الحالة المزاجية والحركة والتحفيز والتي يسمونها عادة "ثلاثية السعادة"، أي كلما كنت نبيلاً في تأثيرك فيمن حولك زادت سعادتك وتقديرك للذات. للتبسيط... ولكي أخرجك من دهاليز الدماغ هذه أقول إن احترام الذات من خلال الشعور بأهميتها يمنحها صلابة نفسية وثقة في النفس وسعادة تقيك من التكدر العاطفي والنفسي. وختاماً... هناك لَبسٌ يجب التنويه عليه، يخلط الكثير من الناس بين احترام الذات وتقديرها وأشياء أخرى لا علاقة لها بالاحترام أساساً، فمثلاً يظن البعض أن الاحترام والتقدير للذات يعني أن الإنسان يجب أن يوفر لنفسه كل متع الحياة طولاً وعرضاً، فيأكل كل ما تشتهيه نفسه ويشتري ما يحب كتقدير للنفس، وهذا خطأ، بل إن من الحيوانية أن يجعل الإنسان نفسه مسخاً يطلق العنان لرغباته، فوحدها الحيوانات التي لا تراعي سوى شهواتها وما تستلذ به، بينما الإنسان من المفترض أن يكون لديه قيم ومبادئ وتضحيات، وإلا فما فرقه عن الحيوان؟!! وكما ذكرت سابقاً ليس هناك أي ربط من قريب ولا بعيد بين الغرور وبين تقدير الذات، فالأفضلية تعني المزيد من المسؤولية اتجاه الحياة ومن فيها، بينما النظرة الفوقية على الآخرين مجرد نرجسية مرضية لا أكثر. لذا تبقى القاعدة الذهبية في أفضلية الذات والشعور بأهميتها حديث رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال فيه: "خير الناس أنفعهم للناس". أنت خير الناس ما دمت مؤثراً وهماً في منفعة الناس، وأنت مجرد مسخ لا أهمية لوجودك ما دمت منغمساً في ملذاتك.